« O mon dieu accroît mes connaissances ! »114 Tâ-Hâ

« O mon dieu accroît mes connaissances ! »114 Tâ-Hâ
سألت قلبـي كيـف أمسـيت بعــد الفـراق؟ .. فـأجابنـي .. وهـل للـرماد إحـساس بعـد الإحتـراق ؟؟

mardi 28 juillet 2015

عندما اعلن بارنارد شو أن محمدا قادر على حل مشاكل العالم وهو يشرب فنجان قهوة، لم يكن هازلا. من كتاب حمادي بلخشين السلفية







فصل

اعتزازي برؤية الإسلام الإقتصادية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



   عندما اعلن بارنارد شو أن محمدا قادر على حل مشاكل العالم وهو يشرب فنجان قهوة، لم يكن هازلا. 
 
وعندما اعلن اشهر اقتصادي انكليزي بعدما اشهر اسلامه ان القرآن الكريم يقدر لوحده على حل معضلات العالم الإقتصادية , لم يكن منساقا  وراء عاطفة دينية جياشة، بل كان يدرك تمام الإدراك (وهو من هو في اختصاصه ما كان يقول).
 
 و حين دعا احد حكماء الغرب بني جنسه الي العمل  بما جاء في القرآن من توصيات قادرة على استنقاذهم مما يعيشون فيه من صعوبات و ازمات، حتى دون الإيمان بمصدره الإلهي، فانه لم يكن يدعو قومه الى اتخاذ آيات ذلك الكتاب رقى يتعوذون بها، و يتحصنون بها من عين الحسود، بل لما لمسه  من ارشادات تهدي للتي هي اقوم .  



    فكما انه لا مجال لعقد أي مقارنة بين الإنسان الآلي  المحدود الكفاءة و بين الكائن البشري المعجز التركيب والكفاءة. فكذلك لا مجال للمقارنة بين نظريات اقتصادية بشرية اثبتت فشلها و بين ما طرحه الإسلام من ارشادات يكفل تطبيقها وضع حد  للتفاوت الطبقي والظلم الإجتماعي، و  للفساد السياسي عبرقطع الطريق على اصحاب رؤوس الأموال و الحيلولة  دون استخدام ثرائهم الواسع  للتأثير على مسار الإنتخابات  (شراء للإصوات او تمويلا لتلك الحملات) .                   



   فعند امعان النظر"  نجد كل ما يذكره  دعاة النظم الإشتراكية و الراسمالية  من مزايا نظمهم  نجده موجودا في نظام الإسلام الإقتصادي، و كل ما يوجه النقاد من  انتقادات حقيقية غير موجودة في نظام الإسلام الإقتصادي. فنظام الإسلام بريء من كل مساوئها جامع لكل من فضائلها "أو لنقل عن النظام الإقتصادي الإسلامي أنه " على قمة و عن يمينها و يسارها منحدران" (1) .



"فاذا نظرنا الى مزايا الأنظمة الرأسمالية وجدنا أهمها:



    الأولى: اطلاق الحافز الفردي، وباطلاق الحافز الفردي تتقدم الصناعة و يزدهر الإقتصاد . و المقدار الخيّر من هذه المزية، متوافر في نظام الإسلام،  فهو يطلق في الأفراد الحوافز لبذل قصارى جهدهم في العمل و التحرك المستمر، رغبة في تلبية الفطرة الإنسانية التي تحب الحيازة و التملك ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة و الخيل المسومة و الأنعام و الحرث )آل عمران 14. و لكن الإسلام هذب هذا الحافز الفردي فخفف من غلوائه وحد من طمع الإنسان و جشعه بما شرع من نظم و بما كلف الإنسان من واجبات.



   الثانية: اتاحة المنافـسة بين الأفراد، و بذلك تتقدم الصناعة و يزدهرالإقـتصاد, والمقدار الخيّر من هذه المزية متوافر ايضا في نظام الإسلام،  فبينما تتيح النظم الرأسمالية المنافسة من ابواب عريضة نجد الإسلام يتيحها بشكل معتدل لا يسمح فيه باطلاق حرية الفرد اطلاقا يؤدي الى استغلال الآخرين و العدوان على حقوقهم و تقييد حرياتهم وايذائهم بالمضاربة و ألوان الإحتكار و أشباه ذلك مما لا خير فيه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عبد الرحمن حبنكة الميداني اجنحة المكر الثلاث .



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 61 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الثالثة: اتاحة الحرية اٌقتصادية:  فبهذه الحرية تنطلق طاقات الأفراد في مختلف المجالات و يشمل النشاط الإقتصادي كل جوانب التقدم و الإزدهار. و المقدار الخيّر من هذه المزية متوافر في نظام الإسلام، فبينما تتيح النظم الراسمالية الحرية الإقتصادية بشكل قد يؤدي الى الظلم والعدوان، نجد الإسلام يتيحها ضمن الحدود التي وفق فيها بين المصلحة الفردية و مصلحة الجماعة و مصلحة الــدولة الإسلامية واهداف اسس الإسلام الإعتقادية و التشريعية. والحرية الإقتصادية ضمن  الحدود الإسلامية تحقق جوانب المصلحة المقصودة منها و تحجزها عن الطغيان المؤدي الى العدوان او اهدار حريات الآخرين او الإفساد في الحياة .



ما يذكرونه من مزايا النظم الإشتراكية:



" و ذكر الباحثون الإقتصاديون عددا من مزايا النظمة الإشتراكية اهمها ما يلي :

 الأولى: حيازتها المقومات التي تمكن رعاياها من استخدام الموارد و العوامل الإنتاجية المتاحة لهم افضل استخدام، وهذه الميزة المقدرة للأنظمة الإشتراكية التي ينعدم فيها الحافز الفردي والحرية و المنافسة، هي متوافرة في نظام الإسلام بصورتها المثالية، لأن المجتمع المسلم حينما يعمل على استخدام الموارد و العوامل الإنتاجية يكون مدفوعا بمحركين عظيمين الأول: الواجب الإلهي الذي يامر باعداد المستطاع من القوة والمساهمة في التقدم والإرتقاء العمراني و الحضاري, والثاني الحافز الفردي المتماسك مع الجماعة بقوة الإخاء والحب والتفاني في الإتقان والتحسين. و المتطلع الى اكبر قدر من الربح المأذون به في شريعة الله.

 الثانية: تهيئة العمل لجميع افراد المجتمع وهذه المزية متحققة في الإسلام بشكل ارقى مما هي عليه في الأنظمة الإشتراكية و ذلك لأن كل قادر على العمل مكلف به .



ما يذكرونه من مساوىء الأنظمة الرأسمالية:



أولا: اطلاقها الحرية الفردية بشكل يشجع الفرد على اتخاذ كل وسيلة للإستغلال و لو ادى ذلك الى سلب الآخرين حرياتهم سلبا لا يكشفه القانون أولا يحرّمه، و لو ادى ذلك الى الإضرار بالجماعة ثانيا: تشجيعها عل سيادة الغرائز المادية البحتة التي لا تعترف بالقيم الإنسانية البحتة و لذلك نرى كباراصحاب رؤوس الأموال في العالم لا يهتمون بسعادة البشرية الا من خلال حصولهم على اكبر مقدار من الربح و تنمية ثرواتهم.

 ثالثا: اتاحتها الفرصة لكبار رؤوس الأموال ان يوجهوا السلطة السياسية الى ما يحقق اغراضهم او يتحكموا بها عن طريق المال ليتمكنوا بذلك من احتكارما يريدون من تجارة او صناعة او علم رابعا: ما يـتولد عنها من الرغبة باستعمار الشعوب واستغلالها وامتصاص خيراتها.

خامسا: اتاحتها الفرصة لأن يكون المال دولة[ متداولا و مقصورا] بين طبقة الأغنياء فقط مع حرمان السواد الأعظم منه.ان هذه المساوىء الموجودة في النظم الراسمالية غير موجودة في نظام الإسلام ووجودها في النظم الراسمالية ناشىء عن البواعث النفسية التي اعتمدت عليها هذه النظم و هي الأنانية الفردية وعدم الشعور بواجب الجماعة. وخلاف نظام الإسلام في كل ذلك فالبواعث فـيه مصلحة الفراد والجماعة، وتحقيق اهداف الدين وهو محصّن بالضــوابط التي تـحدّ من تصرفات الناس و حرياتهم، و تجعلها منحصرة في حدود الخير بعيدة عن الشر و كل اسبابه.



ما يذكرونه من مساوىء الأنظمة الإشـتراكية:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 62 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





 أولا: محاربتها للفردية بجميع خصائصها و كبتها لحريتها:

 ثانيا: تبنيها لفكرة الصراع الطبقي للقائم عل اسس الحقد و الحسد و الكراهية واعلانها نفي الأخوة بين جميع الناس لذلك كان شعارها "يا عمّال العالم اتحدوا" و لم يكن شعارها ( يا ايها الناس).

 ثالثا: تبنيها لفكرة العمل على تغيير العالم كله بجـميع انظمته و مبادئه الدينية والخلقية والقانونية

لا على إصلاح الفاسد و اتمام مكارم الأخلاق و اكمال جوانب الصلاح فيه.

 رابعا: حضهاعلى الإستهانة بكل القيم الدينية و الإنسانية والأخلاقية في سبيل تحقيق الغايات التي تسعى اليها هذه الأنظمة  و تشجيعها على استخدام كل وسيلة غير اخلاقية و غير انسانية في سبيل تحقيق غايات حملة هذه الأنظمة ودعاتها.

 خامسا: اتاحتها الفرصة لقيام الوان الحكم الطبقي الحاقد المستبد الذي لا مجال فيه لظهور الحريات السياسية و لإجتماعية.

 سادسا: تبنيها لوسيلة التدمير لكل ما هو قائم في المجتمعات عن طريق الأعمال الثورية واحلال روح الثورة و الصراع و الكراهية محل روح الحـب والإخاء والمودة والتراحم.

 سابعا: ما يتولد عنها من عقد انسانية تحرم الأفراد من شروط سعادتهم في الحياة اذ تحجزهم عن تلبية رغباتهم الإنسانية و اطلاق خصائصهم البشرية.

 ثامنا: اجهازها على الحافز الفردي للإنتاح والعمل، الأمرالذي ينشأ عنه تخفيض الإنتاج العام و زيادة المشكلات الإقتصادية العالمـية تعقيدا . يضاف الى كل ذلك انها قائمة بالأســـاس على معاداة الأديـان و محاربة تعاليمها و نظمها و الأخلاق الكريمة التي تحض عليها حربا لا هوادة فيها الا في حدود المهادنة المرحلية التي تقتضيها الظروف السياسية .



" و هكذا تبينت لنا مساؤى النظم الراسمالية و عيوبها و مساؤى النظم الإشتراكية و عيوبها اما نظام الإسلام فهو بريء من مساؤى و عيوب كل هذه النظم خال من ويلاتها وآثارها الظالمة الآثمة كما أنه مشتمل على محاسن و مزايا كل هذه النظم مضاف اليها فضائل خاصة به اذ يعتمد على الإيمان بالله و اليوم الآخر. و يهدف الى خير الإنسانية و سعادتها، ويامر بالتعاون و التآخي و التوادد و التراحم .. انه ليس في الإسلام طغيان الراسماليات التي تفسح المجال للإفراد و العصابات القليلة المستغلة بالتآمر و المحمية بسلطة القانون ان تعتدي على حقوق الجماعة و تفترس بوسائلها الذكية الماكرة حريات الآخرين حتى تستغل جهدهم و ثمرة كدهم باقل مما يستحقون او تختلس اموالهم بحيل اقتصادية متسترة بالصبغة القانونية... و ليس في نظام الإسلام احتكارات الأنظمة الرأسمالية و لا رباها و لا رشواتها و لا تحكمها بالسلطة و توجيهها لها و لا ظلمها ولا ماديتها المتكالبة على الدنيا ... و ليس في النظام الإسلامي ما في الأنظمة الإشتراكية من سطو على اموال الناس و تطلع الى الغاء الملكية الفرديةـ أو تحديدها ـ و ما فيها من الغاء للحريات و اماتة للحوافز الفردية و حقد طبقي و صراع بين الناس و ما فيها من تقسيم الناس الى سادة حاقدين حاكمين بسلطان القوة واسلوب العنف الشديد، و بيد مسخرين بلقمة العيش و بادنى مستويات مطالب الحياة ... و بهذا تظهر لنا منزلة الإسلام العظمى القابضة على ناصية المجد و التي لا يستطيع ان ينافسه فيها منافس "(462/468 الميداني / أجنحة المكر الثلاث )

                                                                       

و حتى لا تحملنا الأحلام وعلى اجنحتها السحرية، من واقع إسلامي كريه, الي  واقع سعيد  نكون فيه سادة  أنفسنا ثم سادة العالم الرحماء الذين يعيدون للإنسان كرامته واعتباره, لا بد لي ان اذكركم بما قال الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين ذات مرة، حيث كتب " لقد منح الله شعبنا ثلاث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عبد الرحمن حبنكة الميداني اجنحة المكر الثلاث 462حتى 468

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 63 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



هبات لم يقدرها حق قدرها بعد, وهي حرية الفكر و حرية القول . ثم الإدراك السليم الذي يجعلهم لا يفكرون في استخدام الهبتين السابقتين"! لأخلص بدوري الي القول بان الله سبحانه وتعالى قد اعطى امتنا اسباب الحياة و الريادة و كل مؤهلات الزعامة والقيادة, ولكن كل تلك الهبات كانت كقبض الريح مع حضور سلفي مدمّر يستطيع بقدراته الإعجازية تحويل التبر الي تراب، و العمران الي خراب. فلا أمل في نهضة و لا سبيل الى رقي، ما لم تدحر المنظومة السلفية وأسلحة دمارها الشامل، لتؤسس على انقاضها منظمومة ما قبل سلفية،  تعتمد دين الله( لا دين الملك ــ السنّة ــ و لا دين الكاهن ــ الشيعةــ) حيث الحرية و الكرامة والأمن، والأرض العراء من اي دروع سلفية  تمكن الإداريين الفاسدين من الإفلات من المحاسبة. ولكم يبدو تدخل الإسلام ضروريا في صياغة حاضر البشرية بعدما اثبت الغرب الهمجي و على راسه امريكا  فشله في ادراة شؤون العالم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 64 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



           لم ندخل القرن الواحد و العشرين كما دخلت ذبابة حجرة الملك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



   على الرغم من الحضيض الذي تستقر فيها امتنا بسبب الجنايات السلفية، ها أنا أثبت في هذا الموضع اعتزازي بالإسلام و ثقتي المطلقة في جدوى مرجعيته وفي قدرته على قلب الأوضاع لصالحه لو فصل عن السنّور السلفي الأجرب (1) الذي يزهد  فيه الأبناء قبل الغرباء.



 ولأن جعلتنا السلفية في ذيل قائمة الدول، فان اسلامي يرتفع بي عن الظن بان أمتنا دخلت  القرن الواحد و العشرين كما دخلت ذبابة الى حجرة الملك (2) بل دخلناه رغم هواننا على الأمم وفي حقيبتنا الدواء الناجع لآلام البشرية لو اراد الله إتقاذها .

و لئن خيل للبعض ان امتنا بصدد  التطفل على مائدة الغرب العلمية والتكنولجية فاني أدرك باننا  بناة هذه الحضارة وواضعي حجر اساسها(3)

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ذات مرة  أقسم اعرابي على بيع جمله بدرهم واحد،  ثم ندم على قسمه, فوجد من ينصحه بربط سنور ـ قط ـ بجمله ثم  بيع الجمل بدرهم و السنور بتسع و تسعين درهما. فكان الناس يتأملون الجمل و السنور، ثم ينصرفون متحسرين و هم يقولون :" ما ارخص الجمل لولا السنور!"...  كذلك الشأن بالنسبة لإسلامنا، الذي يبدو في شكل شابة حسناء موثقة الى جيفة كلب  ويشترط على من طلب يدها ان يحمل الجيفة معها. مما يزهد الناس فيها و يصرفهم عنها، بسبب ما تلبست به من قاذورات.     

(2) حسب تعبير احد المهزومين من ابناء المسلمين .

(3) تحت عنوان " لولا العراقيون لما كان هناك وجود للكمبيوتر أوردت جريدة "الحياة" في  مارس 1998  نقلا عن صحيفة  علمية تصدر في امريكا ما يأتي نصّه :" نحن نفكر في قصف العراقيين بالقنابل و تحويلهم الى جيلاتين ثم ماذا؟! معظم الناس في الولايات المتحدة لا يعير الموضوع كما يبدو أي اهتمام، فباستثناء بيع النفط لنا و بيع السجاد، لم يفعل لنا هذا البلد أي شيء في كل حال، و لكن لعلمكم( لعل ذلك يغير نمط تفكيركم ) فان صناعة الكومبيوير اليوم لم يكن لها وجود لولا العراقيين " بهذه السطور استهل محرر التكنولوجيا في صحيفة : يو اس أي توداي " تقريره المنشورفي الصفحة الأولى ,بالأسلوب الرشيق المميز لهذه الصحيفة التي تطبع و توزع في جميع البلدان، كتب المحرر: ان الفضل يعود الى فتى اسمه ابو عبد الله بن موسى الخوارزمي الذي عاش الفترة ما بين 770 و 849 ميلادية و مصطلح اللوغاريتم المستخدم في الريلاضيات و علوم الكومبيوتر، و نقل عن العالم و مؤرخ الرياضيات الأمريكي البروفيسور آمر اشيل ان الطريقة المتبعة حاليا في صياغة المعادلات الرياضية، ماخوذة من الخوارزمي، ولولا هذا النوع من المعادلات، لما كان هناك وجود للكمبيوتر أو لبرامجه، لذلك دعا المحرر الأمريكي " كل ما تفرع عن ذلك من رجال اعمال شباب في العشرينات من العمر يملكون ثروات طائلة من الكمبيوتر الإنحناء للعراق بدلا من الإبتهاج بالطائرات الحربية " و يبدو ان كثيرا من نجوم التكنولوجيا يتفقون مع محرر الصحيفة كيفن مانيي الذي يعد بين النجوم بكتبه المشهورة التي ارتقت سلم المبيعات بعض هؤلاء النجوم يملك معلومات جيدة عن الخوارزمي الذي ولد في اوزبكستان في آسيا الوسطى و هاجر و هو طفل مع والديه الى بغداد، حيث بدت عليه ملامح النبوغ المبكر و دعي و هو لا يزال شابا الى ان يصبح مستشار" بيت الحكمة " في بغداد...".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 65 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



انتهت
 
 

samedi 6 juin 2015

Abou Houdeyfa : agent de décérébration de la communauté musulmane ?





Notre réponse au salafiste nous disons
 Le livre de Dieu est  notre    référence

Nous rejetons tous hadith n'est pas conforme au parole de dieu dans son livre  


Abou Sam


كتاب الله مرجعنا

و بلا عقل لا تكليف

نحن نقدم  العقل  على النقل

 نرفض كل حديث لا يوافق كتاب الله
Points de vue

Abou Houdeyfa : agent de décérébration de la communauté musulmane ?


Rédigé par Michael Privot | Mardi 19 Mai 2015





Rachid Abou Houdeyfa, imam à la mosquée de Brest.
Rachid Abou Houdeyfa, imam à la mosquée de Brest.
Dans la vidéo d’un de ses derniers prêches du vendredi 9 mai, l’imam Abou Houdeyfa, qui officie à la mosquée de Brest, s’en prend à ceux qui « prétendent réformer l’islam au nom de la raison », probablement celles et ceux qui sont réunis au sein de la Fondation Al-Kawakibi, sans qu’il les nomme précisément d’ailleurs.
Bien que l’audition de cette vidéo soit un véritable supplice pour l’esprit et l’intelligence, elle vaut cependant que l’on s’y arrête un instant. En effet, reconnaissons-lui ce mérite, l’imam Abou Houdeyfa, tout en prenant manifestement son auditoire pour une foule de demeurés, parvient à concentrer la quintessence de l’opposition salafiste à toute idée de réforme, n’hésitant pas non plus, pour quelqu’un qui se revendique d’une haute éthique, à utiliser les plus sales procédés rhétoriques de disqualification de son adversaire. 



Passons sur les images simplistes de la relation père-enfant pour faire comprendre que l’enfant (l’homme en l’occurrence) doit s’incliner devant ce que sa raison ne peut saisir. Passons aussi sur les comparaisons à deux francs six sous avec la question des ablutions sur les chaussettes et celle de l’exemption du rattrapage de la prière et non du jeûne en cas de règles comme possibles « contradictions » entre révélation et raison. Passons encore sur la confusion de son discours entre ‘aql et ra’y (raison/intellection et raison/opinion) qu’il utilise comme équivalents et oppose systématiquement à l’idée de naql (révélation) pour discréditer bassement l’idée même de raison.
Le cœur même de son discours est qu’une fois la révélation descendue sur l’humanité, le naql, comprenant le Coran et la Sunna du Prophète, il n’y a plus rien à ajouter : la raison doit se soumettre et obéir, et suivre sans contester les injonctions de la révélation, la raison étant par essence incapable de découvrir les plus hautes vérités. C’est si simple. Il dénonce ensuite plusieurs fois celles et ceux qui, selon lui, voudraient faire passer la raison (‘aql) AVANT la révélation (naql).

On ne s’étonnera peut-être pas trop que le cursus de l’imam Abou Houdeyfa ait eu quelques lacunes. Il n’a probablement rien lu sur le motif du Tabernacle des lumières du prophétat (Mishkat al-anwâr) d'Al-Ghazali, qui explique que les philosophes et les savants (en passant par Platon et d’autres) sont tous parvenus à un niveau de compréhension du monde proche de ce qui est obtenu par la révélation, et ce de par leur seule intelligence (guidée par Dieu, certes). Ni non plus le fameux roman de Hayy b. Yaqzân qui, perdu sur une île, induit les principes autrement révélés par le seul usage de sa raison et de l’observation. Bref, la civilisation islamique a une longue tradition de conciliation entre raison et révélation qui dépasse largement le simple rapport de soumission ou de guidance.


Michael Privot
Michael Privot

Seul le regard, l’intelligence, du lecteur fait émerger un sens hors du texte

Pour en venir à l’essentiel, le discours de l’imam Abou Houdeyfa expose en vérité l’angle mort, ou plutôt le trou noir, de la pensée salafiste, à savoir le rôle du lecteur, du savant, de l’herméneute dans le rapport à la révélation.
Les principologues du droit musulman (usûliyyûn) savent que la Loi a deux sources : le khabar (Coran et Sunna, le naql) et le nazar (le regard, l’intelligence, la raison du savant). Ils avaient compris très vite, dès l’époque classique, que le Texte ne dit rien. C’est un paquet muet de pages remplies de signes. Rien de plus. Seul le regard, l’intelligence, de chaque lecteur ou lectrice fait émerger un sens hors du texte.

Il est probable que le fait que le Coran soit en arabe classique offre aux arabophones une dangereuse impression d’immédiateté dans l’accès à la révélation divine, faisant disparaître la nécessité d’une interprétation, d’un effort herméneutique. Cela donne à croire que, si l’on maîtrise l’arabe, et plus encore si l’on est un arabophone natif connaissant (ou pas) l’arabe classique, on peut accéder sans médiation à la Parole de Dieu. Dangereuse illusion d’optique de laquelle sont préservées en partie aujourd’hui d’autres religions du Livre, dont le judaïsme et le christianisme : l’hébreu biblique, l’araméen, le latin, le grec ancien, langues de la Bible et des Evangiles imposent la notion de l’éloignement dans le temps, de la nécessité de l’Histoire, du contexte, de la linguistique, de la philologie, de la sémiologie… et donc une certaine modestie dans le rapport au Livre. En tout cas, aucun-e théologien-ne de ces religions, à part quelques illuminé-e-s, ne prétend faire l’économie de son propre rôle dans son approche des textes révélés.

C’est tout le contraire dans la pensée salafiste : le rôle médiateur de l’herméneute est nié, que ce soit pour aujourd’hui ou pour le passé – une compréhension directe de l’essence même du texte est toujours posée comme axiomatique, qu’il s’agisse du Coran ou d’une somme classique. Comme si le lecteur (arabophone, s’entend) était un pur esprit, hors du temps et de l’espace, hors des contingences matérielles, hors de toute culture et société, hors de rapports de domination, de pouvoir, et accédait à l’essence du naql, de la révélation.

Or, c’est précisément là que porte l’effort de réforme, contrairement au mauvais procès que lui fait l’imam Abou Houdeyfa. C’est non pas sur le naql (le Coran, Texte révélé ; je laisse de côté la Sunna ici qui pose trop de problèmes méthodologiques) que l’on veut porter réforme, mais sur le nazar, l’intelligence, la raison de l’herméneute, le deuxième terme de l’équation indispensable à la production de la Loi. Sans nazar, le khabar est profondément, désespérément, muet et inutile.


Abou Houdeyfa : agent de décérébration de la communauté musulmane ?

Renouer avec les siècles de tradition herméneutique

Procédant typiquement selon l’approche salafiste, l’imam Abou Houdeyfa saute allègrement par-dessus les 14 siècles de tradition herméneutique musulmane et tente de nous faire croire que les Compagnons du Prophète recevaient le Texte de manière pure, sans médiation, et qu’il conviendrait de se soumettre à leur propre approche. Or, contrairement à ce préjugé, ces derniers eux-mêmes ont dû développer leur propre démarche interprétative pour faire face à l’infini des situations humaines auxquelles le Texte ne pouvait ou ne voulait pas répondre, l’exemple le plus connu étant celui d'Ali partant au Yémen avec une première méthode d’ijtihad. Tout n’allait donc pas de soi, y compris durant le moment coranique.
Inspirés par cette réalité, les oulémas n’ont eu de cesse de s’efforcer de développer des méthodologies pour tout, n’hésitant pas à emprunter aux sciences de leur temps (philosophie, linguistique…) pour les porter vers de nouvelles hauteurs et faire émerger des sens encore cachés du khabar : collecte des hadiths, linguistique, métaphysique, kalam, droit… Bref, à développer, équiper, renforcer le nazar, car ils avaient conscience, au moins jusqu’à l’époque classique et la fin des Abbassides, qu’ils portaient un regard sur le texte, qu’ils interprétaient et que, pour réduire l’arbitraire, il fallait des outils, des méthodes. Non pas pour nier la raison, mais pour la rendre plus performante encore.

Les croisades, la chute de Bagdad, la perte de l’Andalus ont fait plonger le monde musulman dans une longue léthargie intellectuelle. Entre-temps, dans d’autres endroits du monde, des savants de toutes sortes ont continué à réfléchir, développant l’héritage qui leur avait été transmis.

Le travail de réforme s’impose donc de nouveau aujourd’hui. Non pas pour retirer ici ou là des versets qui seraient embarrassants, mais pour profiter de l’immense essor des sciences sociales, humaines et techniques de ces deux derniers siècles qui, de facto, contribuent à modifier un nazar – lui-même situé dans un autre temps, un autre espace – et donc permettent de faire émerger, à nouveau, des sens inédits, de réordonner les priorités, de déconstruire, de resituer et de réarticuler les lectures de ces 14 derniers siècles par rapport aux besoins du nôtre.

La réforme en islam porte en vérité sur l’herméneute et ses méthodes, et donc fait inévitablement surgir du neuf hors du Texte, des potentialités contenues depuis l’origine en Celui-ci et qui n’attendent qu’à être exprimées et à se déployer. C’est pour cela que le Coran, comme d’autres textes sacrés, est en quelque sorte « garanti par Dieu » pour les siècles des siècles, car sa lecture n’est jamais terminée, ni épuisée, ni figée, chaque époque apportant son innovation herméneutique et son regard réjuvéné sur un Texte immuable.



Disqualifier pour mieux asseoir son pouvoir




Nul besoin donc de discourir sur l’antécédence du naql ou du ‘aql, le débat n’est pas là, mais il est sur la reconnaissance du rôle médiateur du savant, ce que refuse obstinément la pensée salafiste dont l’imam Abou Houdeyfa se fait le chantre.

Pourtant, à l’entendre, on se dit qu’il en devine les contours, mais préfère s’enfermer dans sa condamnation, jouant la carte de l’establishment, de la structure, du maintien du pouvoir de certains clercs sur des masses qu’ils abrutissent de discours simplistes. En effet, parlant des « réformateurs », il lance qu’ils ne seraient même pas soutenus par des savants connus, ou encore qu’ils ne seraient même pas ‘alim, ni mujtahid muqayyad, ni mujtahid mutlaq.

Ce faisant, il démontre surtout qu’il se fait le porte-parole d’une caste qui veut préserver son pouvoir en profitant pleinement de leur investissement personnel à « maîtriser » une méthodologie très particulière d’accès au texte et des privilèges matériels et symboliques qui en découlent. Si, demain, l’approche salafiste devait être mise « hors service » par la réforme en gestation, ce qui arrivera inéluctablement, ils seront « sur la paille » s’ils n’accomplissent pas le « bond quantique » que cela va impliquer pour eux.

Comme quoi, derrière le discours antiréforme, il y a également des enjeux de pouvoir, y compris géostratégiques, très très humains. Ou la Parole de Dieu est une fois de plus détournée sous prétexte de la respecter. A ce titre, les réformateurs, travaillant sur nazar et non sur le khabar, démontrent bien plus de respect de la Parole que ceux qui prétendent en être les porte-paroles exclusifs.

****
Michael Privot est islamologue et directeur du Réseau européen contre le racisme (ENAR).

محمد شحرور :الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة محمد شحرور ...الكتاب والقرآن

الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة محمد شحرور

 




 
 
 
 
 القرآن (النبوة) هو الموضوعي وأم الكتاب (الرسالة) هو الذاتي  
2
 – أم الكتاب هي رسالة محمد (ص) وقد جاء القرآن تصديقاً لها  


الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة محمد شحرور

 محمد شحرور   :الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة محمد شحرور  ...الكتاب والقرآن



تمهيد في المصطلحات

قال تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر 9).

تصادفنا في المصحف إلى جانب لفظة “الذكر” الألفاظ التالية: “الكتاب” و”القرآن” و”الفرقان”.



فهل هذه الألفاظ كلها تشير إلى معنى واحد لأنها مترادفات؟ أم أنها تشير إلى معان مختلفة؟

وإذا كانت تلك الألفاظ تشير إلى معان متغايرة، فما معنى كل لفظة؟

نبدأ أولاً بتحديد مصطلحي “الكتاب” و”القرآن” ونحدد ثانياً مصطلح “الذكر ثم نبحث ثالثاً في مصطلح “الفرقان”.



أولاً: الكتاب والقرآن



الكتاب من “كتب”، والكتاب في اللسان العربي تعني جمع أشياء بعضها مع بعض لإخراج معنى مفيد، أو لإخراج موضوع ذي معنى متكامل، وعكس كتب من الناحية الصوتية “بتك” ويمكن قلبها بحيث تصبح “بكت” وجاء فعل “بتك” في قوله تعالى {فليبتكن آذان الأنعام} (النساء 119). فالكتاب في المعنى عكس البتك أو البكت.



ونقول مكتب هندسي أي هو مكان تتجمع فيه عناصر إخراج مشروع هندسي من مهندس ورسام وخطاط وآلة سحب، وهي العناصر اللازمة لإخراج مخططات هندسية.
 ونقول كتيبة في الجيش، كأن نقول كتيبة دبابات أو الخيل بعضها إلى بعض في نسق معين. وعندما نجمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم حسب المواضيع، كأن نجمع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حول الصلاة، نسميه كتاباً حيث نقول كتاب الصلاة، وإذا جمعنا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حول الصوم نقول كتاب الصوم.

عندما نسمي فلاناً كاتباً نقصد المواضيع وتأليف الجمل ووضع بعضها مع بعض، وربط أحداث بعضها إلى بعض. وعندما نقول ذلك لا نقصد الخط بتاتاً، وإنما نقصد صياغة الجمل وربطها لإخراج موضوع ما.
 فإذا أخذنا أربع كلمات وهي “جاء” و”الرجل” و”إلى” و”البيت” وضممناها لنخرج منها معنى مفيداً، تصبح الجملة “جاء الرجل إلى البيت” حيث تأخذ معنى مفيداً يمكن الوقوف عليه. وعندما نقول أصدر رئيس الوزراء كتاباً نقصد به المعنى “الموضوع” لا الخط حيث يجب علينا متابعة القول والإخبار بموضوع الكتاب، وإلا يصبح المعنى ناقصاً، كأن نقول: أصدر رئيس الوزراء كتاباً بشأن كذا وكذا.

وإذا قلنا كلمة كتاب ولم نعطها إضافة لتوضيح الموضوع يصبح المعنى ناقصاً، وعلينا أن نقول كتاب الفيزياء للصف العاشر مثلاً. 
أي هذا الكتاب يجمع مواضيع فيزيائية بعضها إلى بعض وهي صالحة لطلاب الصف العاشر.
 وهكذا فعندما نقول الصلاة كتاب فهذا يعني أن الصلاة هي من المواضيع التعبدية التي وجب على المسلم القيام بها {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} (النساء 103). وبما أنه أوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم عدة مواضيع مختلفة، كل موضوع منها كتاب، قال: {رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة * فيها كتب قيمة} (البينة 2-3) فمن هذه الكتب القيمة “كتاب الخلق، كتاب الساعة، كتاب الصلاة، كتاب الصوم، كتاب الحج، كتاب المعاملات … الخ” كل هذه المواضيع هي كتب.

وعندما نقول كتاب البصر فهذا يعني أننا ندرس العناصر التي إذا ضم بعضها إلى بعض وفق تتالٍ معين ينتج عن ذلك عملية الإبصار، وهذه العناصر هي الأهداب والجفن والعين والعصب البصري ومركز الإبصار في الدماغ. 
وإذا أردنا أن ندرس كتاب العين فهذا يعني أننا ندرس البؤبؤ والشبكية وكل عناصر العين. وعندما ندرس كتاب الهضم فهذا يعني أننا ندرس الفم والأسنان، البلعوم، المري، المعدة، الأمعاء الدقيقة، الأمعاء الغليظة، القولون، هذه العناصر التي تدخل في عملية هضم الطعام. وعندما جمع الزمخشري قاموسه “أساس البلاغة” جمع الأصول التي تبدأ بحرف الألف وسماها “كتاب الألف” وجمع الأصول التي تبدأ بحرف الباء وسماها “كتاب الباء”.. وهكذا دواليك.

فأعمال الإنسان كلها كتب: ككتاب المشي، وكتاب النوم، وكتاب الزواج، وعباداته كتب: ككتاب الصلاة والحج والزكاة والصوم، وظواهر الطبيعة كلها كتب ككتاب خلق الكون وكتاب خلق الإنسان، وكتاب الموت وكتاب الحياة، وكتاب النصر، وكتاب الهزيمة، وكتاب الزراعة، وكتاب الأنعام … هذه الكتب لا تعد ولا تحصى.

فكتاب الموت هو مجموعة العناصر التي إذا اجتمعت أدت إلى الموت لا محالة، وكتاب النصر بهو مجموعة العناصر التي إذا اجتمعت حصل النصر، وكتاب خلق الكون هو مجموعة العناصر التي تركب منها خلق الكون. فلا يوجد شيء في أعمال الإنسان وفي ظواهر الطبيعة إلا من خلال الكتب، ولذا قال: {وكل شيء أحصيناه كتابا} (النبأ 29). والإنسانية في نشاطها العلمي تبحث عن هذه الكتب. فعلى الإنسانية أن تدرس أي كتاب لكي تتصرف من خلال عناصر هذا الكتاب.

فإذا أردنا أن تطول الأعمار فعلينا أن ندرس كتاب الموت وكتاب الحياة، وهذا ما يفعله علم الطب حين يدرس الظواهر التي تؤدي إلى الموت “كتاب الموت” والظواهر التي تؤدي إلى نشاط الأعضاء في الإنسان “كتاب الحياة”. وعندما نقول كتاباً ونقف يبقى المعنى ناقصاً حتى نقول كتاب ماذا؟
 وعندما قال تعالى: {كتاب أحكمت آياته} (هود 1) فهذا لا يعني كل آيات المصحف وإنما يعني “مجموعة الآيات المحكمات” وعندما قال {كتاباً متشابهاً} (الزمر 23) فإنه لا يعني كل المصحف وإنما يعني “مجموعة آيات متشابهات”، وعندما قال: {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً} (آل عمران 145)
 فإنه عنى كتاب الموت، أي مجموعة العناصر التي تؤدي إلى الموت في حال توفرها واجتماعها “الشروط الموضوعية للموت”.

وعليه، فمن الخطأ الفاحش أن نظن عندما ترد كلمة كتاب في المصحف أنها تعني ك المصحف. لأن الآيات الموجودة بين دفتي المصحف من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس تحتوي على عدة كتب “مواضيع”، وكل كتاب من هذه الكتب يحتوي على عدة كتب: فمثلاً كتاب العبادات يحتوي على كتاب الصلاة وكتاب الصوم وكتاب الزكاة وكتاب الحج. وكتاب الصلاة يحتوي على كتاب الوضوء وكتاب الركوع وكتاب السجود.

أما عندما تأتي كلمة كتاب معرفة بـ أل التعريف “الكتاب” فأصبح معرفاً عندا قال {ذلك الكتاب} في ثاني آية في سورة البقرة بعد {الم} (ذلك الكتاب لا ريب فيه} قالها معرفة ولم يقل: كتاب لا ريب فيه، لأنه لو قالها لوجب تعريف هذا الكتاب. فمجموعة المواضيع التي أوحيت إلى محمد صلى الله عليه وسلم هي مجموعة الكتب التي سميت “الكتاب”، ويؤيد ذلك أن سورة الفاتحة تسمى فاتحة الكتاب.

هذا الكتاب هو مجموعة المواضيع التي أوحيت إلى محمد صلى الله عليه وسلم من الله في النص والمحتوى، والتي تؤلف في مجموعها كل آيات المصحف من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس. هذا الكتاب يحتوي على مواضيع رئيسية هي:

{الذين يؤمنون بالغيب} (البقرة 3) (كتاب الغيب).

{ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} (البقرة 3) (كتاب العبادات والسلوك) (سلوك).

أي أن هناك نوعين من الكتب: النوع الأول هو الذي يتعلق بسلوك الإنسان، ككتاب الصلاة الذي يتألف من الوضوء والقيام والركوع والسجود، وهذه الكتب غير مفروضة على الإنسان حتماً، بل له القدرة على اختيار الالتزام بها أو عدم التقيد بها. 
ويعني ذلك أن الإنسان هو الذي يقضي “يختار” موقفه منها.
 وأطلق على هذا النوع في المصحف مصطلح “القضاء” والنوع الثاني قوانين الكون وحياة الإنسان ككتاب الموت وكتاب خلق الكون والتطور والساعة والبعث، وهذه الكتب مفروضة على الإنسان حتماً، وليست له القدرة على عدم الخضوع لها. وأطلق على هذا النوع في المصحف مصطلح “القدر”.
 ويتوجب على الإنسان أن يكتشف هذه القوانين ويتعلمها ليستفيد من معرفته لها.

وبما أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول الله، وهو نبي، فهذا الكتاب يحتوي على رسالته ونبوته. فالرسالة هي مجموعة التعليمات التي يجب على الإنسان التقيد بها “عبادات، معاملات، أخلاق” “الحلال والحرام” وهي مناط التكليف.

والنبوة من “نبأ” هي مجموعة المواضيع التي تحتوي على المعلومات الكونية والتاريخية “الحق والباطل”.

وعليه فالكتاب يحوي كتابين رئيسيين:

الكتاب الأول: كتاب النبوة: ويشتمل على بيان حقيقة الوجود الموضوعي، ويفرق بين الحق والباطل أي الحقيقة والوهم.

الكتاب الثاني: كتاب الرسالة: ويشتمل على قواعد السلوك الإنساني الواعي، ويفرق بين الحلال والحرام.

وقد أوضح في سورة آل عمران أن الكتاب ينقسم إلى موضوعين رئيسيين “كتابين” {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} (آل عمران 7).

1 – الكتاب المحكم أي مجموعة الآيات المحكمات، وقد أعطاها تعريفاً خاصاً بها هو أم الكتاب. {منه آيات محكمات هن أم الكتاب} وبما أن الكتاب هو مصطلح فقد عرف بمجموعة الآيات المحكمات، حيث أن هذا المصطلح جديد على العرب، فالعرب تعرف أم الرأس: “ضربه على أم رأسه” ولكنها لا تعرف أم الكتاب، لذا فقد عرفه لهم، ولمصطلح “أم الكتاب” معنى واحد أينما ورد في الكتاب، أي لا يمكن أن يكون لهذا المصطلح معنى حقيقي وآخر مجازي، بل معناه الوحيد هو ما عرف به، وهو مجموعة الآيات المحكمات. والآيات المحكمات هن مجموعة الأحكام التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تحتوي على قواعد السلوك الإنساني “الحلال والحرام” أي العبادات والمعاملات والأخلاق والتي تشكل رسالته.

2 – وإذا فرزنا مجموعة الآيات المحكمات على حدة، فما تبقى من آيات الكتاب بعد ذلك هو كتابان أيضاً، وهما: الكتاب المتشابه، وكتاب آخر لا محكم ولا متشابه.
 وهذا الكتاب الآخر يستنتج من قوله تعالى (وأخر متشابهات) حيث لم يقل “والآخر متشابهات” فهذا يعني أن الآيات غير المحكمات فيها متشابهات وفيها آيات من نوع ثالث لا محكم ولا متشابهٍ، وقد أعطى لهذه الآيات مصطلحاً خاصاً بها في سورة يونس، وهو “تفصيل الكتاب” وذلك في قوله: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} (يونس 37).
 فهذه الآية تدلنا على وجود ثلاثة مواضيع هي:

القرآن.

الذي بين يديه.

تفصيل الكتاب.

وقد أكد أن تفصيل الكتاب موحى أيضاً من الله سبحانه وتعالى في قوله: {وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين}.

فالكتاب بالمتشابه هو كل آيات الكتاب ما عدا آيات الأحكام “الرسالة” وما عدا آيات تفصيل الكتاب. وهذا الكتاب المتشابه هو مجموعة الحقائق التي أعطاها الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والتي كانت في معظمها غيبيات أي غائبة عن الوعي الإنساني عند نزول الكتاب والتي تشكل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، والتي فرقت بين “الحق والباطل”.

فإذا أخذنا الكتاب المتشابه “أي آيات المصحف ما عدا الأحكام وتفصيل الكتاب” نرى أنها تتألف من كتابين رئيسيين وردا في قوله تعالى {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم} (الحجر 87):

الكتاب الأول: سبعاً من المثاني.

الكتاب الثاني: القرآن العظيم.

وميزة هذه الآيات أنها إخبارية ولا يوجد فيها أوامر ونواهٍ، ولكن كلها آيات خبرية “أنباء”. فمثلاً بعد سرد جزء من قصة نوح في سورة هود قال تعالى (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين) (هود 49) لاحظ قوله “أنباء” وقوله “غيب”. ولاحظ حين سرد قصة آدم قوله تعالى (قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون} (ص67-68) وقوله {ولتعلمن نبأه بعد حين} (ص 88).

أما مصطلح “الذي بين يديه” فيقصد به الرسالة وسنشرح ذلك فيما يلي:

بينا أن الآيات المتشابهات هن آيات المصحف ما عدا آيات أم الكتاب “الرسالة” وآيات تفصيل الكتاب. 
ويعني ذلك أنه تبقى مجموعة الآيات المتشابهات، فما اسم هذه الآيات؟

1 – لنرجع إلى قوله تعالى في أول سورة الحجر {الر تلك آيات الكتاب وقرآنٍ مبين} (الحجر 1).

2 – ولنرجع إلى قوله تعالى في أول سورة الرعد {المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} (الرعد 1).

3 – ولنرجع إلى قوله تعالى في أول سورة البقرة {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين} (البقرة 2).

4 – ولنرجع إلى قوله تعالى في سورة البقرة 158 {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان).

هنا نلاحظ كيف عطف القرآن على الكتاب، وفي اللسان العربي لا تعطف إلا المتغايرات، أو الخاص على العام. فهنا لدينا احتمالان:

أ ‌- أن القرآن شيء والكتاب شيء آخر، وعطفهما للتغاير كأن نقول جاء أحمد وسعيد. حيث أن سعيداً شخص وأحمد شخص آخر. وعطفهما للتغاير.
 فإذا كان القرآن شيئاً والكتاب شيئاً آخر فتجانسهما أنهما من عند الله. ولكن لماذا عطف القرآن على الكتاب في أول سورة الحجر؟ السبب في ذلك هو الآية 87 في هذه السور حيث ذكر فيها السبع المثاني في قوله {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم} فها هنا واضح تماماً أن القرآن شيء والسبع من المثاني شيء آخر، وهي ليست من القرآن ولكنها من الكتاب.

ب – أن يكون القرآن جزءاً من الكتاب، وعطفهما من باب عطف الخاص على العام. وفي هذه الحالة يكفي عطف الخاص على العام للتأكيد وللفت انتباه السامع إلى أهمية الخاص.

فأي الاحتمالين هو المقصود؟!

- نلاحظ أنه عندما ذكر الكتاب قال: {هدى للمتقين} لأن في الكتاب أحكام العبادات والمعاملات والأخلاق، أي فيه التقوى بالإضافة إلى القرآن.

وعندما ذكر القرآن قال: {هدى للناس} ولفظة الناس تشمل المتقين وغير المتقين، فالمتقون من الناس ولكن ليس كل الناس من المتقين.

وهذا وحده يوجب أن نميز بين الكتاب والقرآن.

- ونلاحظ أنه في سورة الرعد عطف الحق على الكتاب، فهذا يعني أن الحق شيء والكتاب شيء آخر. أو أن الحق هو جزء من الكتاب وليس كل الكتاب.

- والجواب القاطع على هذا السؤال أعطي في سورة فاطر {والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقاً لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير} (فاطر 31).
 هنا أعطى الجواب القاطع بأن الحق هو جزء من الكتاب وليس كل الكتاب، وأن الحق جاء معرفاً أي أن الحقيقة الموضوعية بأكملها غير منقوصة “الحقيقة المطلقة” موجودة في الكتاب ولكن ليست كل الكتاب، حيث أنه في الكتاب توجد الآيات المحكمات “آيات الرسالة” وهي ليست حقاً. والآيات المتشابهات “آيات النبوة” وآيات تفصيل الكتاب.

ثم أعطى للحق وظيفة ثانية، وهي تصديق الذي بين يديه. فلماذا جاء القرآن كله متشابهاً؟ وما معنى تصديق الذي بين يديه؟؟

هذا السؤال هو من أخطر الأسئلة التي لا يمكن بدون فهمها فهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن فهم الإعجاز مطلقاً، ولا يمكن فهم كثير من الأحاديث النبوية إن صحت.

إن الله مطلق ومعلوماته مطلقة، وعند الله توجد الحقيقة الموضوعية بشكل مطلق، والله سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى أن يعلم نفسه أو يهدي نفسه. وبما أن الناس في فهمهم للحقيقة يحملون طابع النسبية، أي أنهم لا يفهمون إلا حسب الأرضية المعرفية “مستوى المعرفة” الموجودة عندهم، فقد أخذ الله تعالى ذلك بالحسبان لدى إعطاء الناس ما يشاء من علمه.

لنضرب الآن مثالاً على ذلك: إذا رغب إنسان من كبار علماء الإلكترونيات وعمره خمسون عاماً في أن يعطي المعلومات المتوفرة عنده لابنه الذي يبلغ من العمر ثلاثة أعوام، فهناك أمامه طريقتان لا ثالثة لهما للقيام بذلك:

الطريقة الأولى:

أن يعطيه المعلومات بالتدريج حسب السن وحسب الخبرة المكتسبة، فيعطيه جزءاً بحيث يستطيع استيعابه، ثم يعطيه جزءاً آخر.. وهكذا دواليك حتى يعطيه المعلومات كاملة، ولكن هذه الطريقة تتطلب اتصالاً مباشراً دائماً بين الأب وابنه، أي أن الجسر الذي ينقل المعلومات بين الأب وابنه هو الاتصال المباشر والدائم بحيث تزيد المعلومات مع نمو الطفل.

الطريقة الثانية:

أن يعطي الأب العالم مجموعة كاملة من المعلومات الموجودة عنده لابنه وهو في عمر ثلاث سنوات دفعة واحدة، وبدون أن يكون هناك أي اتصال بعد ذلك. وهذا يتطلب بالضرورة أن يصوغ المعلومات بطريقة يفهمهما ابن ثلاث سنوات حسب أرضيته المعرفية. ثم عندما يكبر وتزيد- معلوماته يقرأ هذه الصياغة مرة أخرى فيراها مطابقة لمعلوماته النامية.. وهكذا دواليك، أي مع نمو المعرفة عند هذا الإنسان يقرأ النص الثابت فيرى أنه مطابق لمعلوماته. ولكن هذه الطريقة تتطلب صياغة خاصة يجب أن يتوفر فيها شرطان: الأول ثبات النص والثاني حركة المحتوى وهذا ما يسمى بالتشابه وهو عين التشابه. ولله المثل الأعلى.

فلنر الآن بأي طريقة اتصل بالله بالناس لإعطائهم المعلومات: اتصل بالطريقتين: بالاتصال الدائم بالناس وبالاتصال دفعة واحدة.

أما الاتصال الدائم فقد حصل عبر النبوات قبل محمد صلى الله عليه وسلم كالتوراة والإنجيل. فبعد نزول التوراة كانت هناك رجعة من الله إلى الناس في الإنجيل.
 وبعد نزول الإنجيل كان هناك رجعة من الله إلى الناس في القرآن.
 ولكن بعد نزول الكتاب لم تكن هناك رجعة من الله إلى الناس حيث أنه لا نبي ولا رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم. وهكذا نرى أن هناك طريقتين قد استعملتا في نقل المعلومات.
 ففي الطريقة الأولى أي في التوراة والإنجيل تم نقل المعلومات فيهما بشكل يفهمه الناس حسب أرضيتهم المعرفية. أي أنهما كانا يحملان طابع المرحلية بالشرح، ولذا فعندما نقرأ التوراة الآن ونقارنها مع معلوماتنا الحالية نراها تنسجم مع أرضيتنا المعرفية، أي أنها كانت تحمل طابع المرحلية، وأنها نزلت بصيغة كانت مطابقة لمعارف الناس وقت نزول التوراة. ولم ينتبه المفسرون المسلمون إلى هذه الناحية الخطيرة، فاعتمدوا قليلاً أو كثيراً على التوراة في تفسير القرآن وهنا كانت الطامة الكبرى!
 وفي عصر النهضة في أوروبا قال العلماء: إن العلم قضى على التفسير التوراتي لخلق الكون والإنسان وعمر الكون والإنسان، وحسناً فعلوا.
 ولهذا وصف التوراة والإنجيل بأنهما هدى للناس، ولكن من قبل القرآن {وأنزل التوراة والإنجيل * من قبل هدىً للناس} (آل عمران 3-4).

وينطبق الحال كذلك على الإنجيل.
 إذ أن التوراة لا يحملان صفة التشابه في الصيغة.
 وهكذا نرى التوراة والإنجيل اليوم كتابين يدرسان فقط في الكنائس للعبادة دون أن يكون لهما علاقة بالحياة. 
وهذا ما أراد “مشايخنا” أن يفعلوه بالقرآن وذلك بتحويله إلى كتاب في اللاهوت.

أما الطريقة الثانية، وهي طريقة الاتصال دفعة واحدة لا رجعة بعدها فهي الطريقة الإسلامية وهذه لا يمكن أن تكن إلا بثبات النص وحركة المحتوى وهو التشابه الذي يحتاج إلى التأويل باستمرار، ولهذا فالقرآن لا بد من أن يكون قابلاً للتأويل، وتأويله يجب أن يكون متحركاً وفق الأرضية العلمية لأمةٍ ما في عصر ما، على الرغم من ثبات صيغته.

وفي هذا يكمن إعجاز القرآن للناس جميعاً دون استثناء. إن إعجاز القرآن ليس فقط بجماله البلاغي كما يقول بعضهم، وليس معجزاً للعرب وحدهم، وإنما للناس جميعاً.
 وذلك لأن الناس كلاً بلسانه “الإنكليزي بالإنكليزية والصيني بالصينية والعربي بالعربية و..” عاجزون أن يعطوا نصاً متشابهاً، كل في لسانه الخاص بحيث يبقى النص ثابتاً، ويطابق المحتوى الأرضيات المعرفية المتغيرة والمتطورة للناس مع تطور الزمن إلى أن تقوم الساعة.

إن مثل هذا لا يمكن أن يفعله إلا من يعلم الحقيقة المطلقة وهذا لا يتوفر للناس لأن معرفتهم وعلمهم نسبيان. لذا لا يمكن تأويل القرآن كاملاً من قبل واحد فقط إلا الله. أما الراسخون في العلم فيؤولونه حسب أرضيتهم المعرفية في كل زمان، وكل واحد منهم حسب اختصاصه الضيق.

من هنا نفهم الحقيقة بالكبيرة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤول القرآن، وأن القرآن كان أمانةً تلقاها وأداها للناس دون تأويل، وإنما أعطاهم مفاتيح عامة للفهم.

أما مقولة: “إن النبي صلى الله عليه وسلم كان قادراً على أن يؤول القرآن” فنقول:

1 – إما أن يكون تأويله صحيحاً بالنسبة لمعاصريه فقط، أي التأويل الأول فيكون بذلك قد تسبب في تجميد التأويل، وتجميد حركة العلم والمعرفة، وإلزام الناس بكلامه، ثم تتقدم المعرفة الإنسانية مع الزمن وتظهر العلوم فتبدأ تأويلاته قاصرة، ويكون بذلك قد قصم ظهر الإسلام بنفسه.

2 – وإما أن يكون تأويله صحيحاً بالنسبة لجميع العصور أن النبي كان يستطيع أن يؤول كل آيات القرآن التأويل الصحيح في جميع الأزمان فيكون بهذا قد تسبب بما يلي:

أ – لا يوجد أحد من العرب الذين عاصروه قادر على فهم التأويل.

ب – لو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قادراً على التأويل الكامل لكل القرآن لكان ذلك يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كامل المعرفة، ومعرفته بالحقيقة معرفة مطلقة فيصبح شريكاً لله في علمه المطلق.

ج – يفقد القرآن إعجازه.

وفي ضوء هذا يجب أن نفهم ما يلي:

قالت العرب في حجة الوداع للنبي صلى الله عليه وسلم: “نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت” “أخرجه مسلم في صحيحه، انظر جامع الأصول ج3 ص465″ فأما الرسالة فقد بلغها ووضع منهجاً لها في السنة، والرسالة كما بينا أعلاه هي أم الكتاب، وأما الأمانة فقد أداها كما أوحيت إليه وهي النبوة التي تشتمل على القرآن والسبع المثاني وتفصيل الكتاب. وبذا نفهم لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم الحديثين التاليين إن صحا: (ألا إني أوتيت هذا الكتاب ومثله معه) (انظر جامع الأصول في أحاديث الرسول ج1 ص281) و(أوتيت القرآن ومثله معه)، لقد ظن الكثيرون أن هذين الحديثين بمعنى واحد، ولهذا في نظرنا تفسير آخر: فعندما قال عن الكتاب: ومثله معه قد عنى السنة وعندما قال: القرآن ومثله معه فإنه عنى شيئاً آخر متجانساً مع القرآن أي مثله وهو مجموعة من الحقائق العلمية تساوي القرآن في قيمتها العلمية لذا جاء القرآن معطوفاً عليها وهي “سبع من المثاني” حيث عطف القرآن العظيم عليها في قوله {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم} (الحجر 87).

ثانياً: الذكر

ما هو الذكر؟

لنرجع إلى قوله تعالى:

{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر 9).

{وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون} (الحجر 6).

{ص والقرآن ذي الذكر} (ص 1).

فإذا أخذنا لفظة الذكر في الآيتين 6-9 في سورة الحجر لوجدنا أنها جاءت معرفة بـ “ال التعريف” وإذا نظرنا إلى لفظة الذكر في الآية رقم 1 في سورة ص لوجدناها أيضاً معرفة بال التعريف. وإذا نظرنا أيضاً إلى الربط بين القرآن والذكر في سورة ص لوجدناهما مربوطين بأداة “ذي” وهذه الأداة تستعمل للدلالة على صفة الشيء، لا على الشيء نفسه كقوله تعالى {وفرعون ذي الأوتاد} (الفجر 10) وقوله {ويسألونك عن ذي القرنين} (الكهف 83) ففرعون شيء والأوتاد شيء آخر، والآية تعني أن فرعون صاحب الأوتاد، وكقوله {أن كان ذا مال وبنين} (القلم 14) أي صاحب مال. فالقرآن هنا هو الموصوف والذكر هو الصفة {والقرآن ذي الذكر} أي القرآن صاحب الذكر. فما هي هذه الصفة الخاصة بالقرآن والتي تسمى “الذكر”؟

إن القرآن مجموعة القوانين الموضوعية الناظمة للوجود ولظواهر الطبيعة والأحداث الإنسانية، وأساسه غير لغوي ثم جعل لغوياً لقوله {إنا جعلناه قرآناً عربياً} (الزخرف 3). وانتقال القرآن إلى صيغة لغوية إنسانية بلسان عربي تم بصيغة منطوقة لذا فهو يتلى بصيغة صوتية منطوقة مسموعة أو غي مسموعة أو غير مسموعة. وهذه هي الصيغة التي أشهر بها القرآن وبها يذكر بين الناس كما جاء في قوله تعالى {ورفعنا لك ذكرك} (الانشراح 4) وقوله {اذكرني عند ربك} (يوسف 42).

فالذكر هو تحول القرآن إلى صيغة لغوية إنسانية منطوقة بلسان عربي، وهذه هي الصيغة التي يذكر بها القرآن. وبما أن هذه الصيغة عربية فقد قال للعرب: {لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون} (الأنبياء 10) أي صيغته اللغوية الصوتية في اللسان العربي المبين لذا قال: (فيه ذكركم) وهنا جاء أكبر عز للعروبة والقومية العربية. أما بقية الكتاب فقد تلازم الإنزال والتنزيل فيها بدون “جعل” وكان الإنزال عربياً مباشراً. وبما أن الله سبحانه وتعالى منزه عن الجنس فهو ليس عربياً ولا تركياً ولا.. ولكن قد جاء النص من الله سبحانه وتعالى أن الإنزال عربي.

فهذه الصيغة للكتاب التي بين أيدينا وهي صيغة عربية هي صيغة محدثة بلسان إنساني وغير قديمة وذلك ليذكر بها القرآن من الناس لذا قال: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدثٍ إلا استمعوه وهم يلعبون} (الأنبياء 2) لاحظ هنا دقة التعبير في الكتاب عندما قال عن الذكر إنه محدث ولم يقل القرآن، ولا ننسى أن الذكر ليس القرآن نفسه، بل هو أحد صفات القرآن {ص والقرآن ذي الذكر} (ص 1). وهذا الفهم يحل المعضلة الكبرى التي نشأت بين المعتزلة وخصومهم حول خلق القرآن. فإذا عرفنا الآن أن الذكر ليس القرآن نفسه، وإنما هو أحد خواصه وهو صيغته اللسانية حصراً يزول الالتباس. لذا فقد وضع الكتاب شرطاً لفهم آياته بقوله: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (الأنبياء 7) هنا يجب أن نفهم أن أهل الذكر هم أهل اللسان العربي.

هذه الصيغة المحدثة هي التي أخذت الصيغة التعبدية، فعندما يتلو الإنسان الكتاب “بصيغته اللسانية الصوتية”، بغض النظر عن فهم المضمون، تكون تلاوته عبادة تساوي الناس فيها جميعا عرباً أو غير عرب. فإذا وقف في الصلاة مسلمان “عربي وغير عربي” وكلاهما تلا الذكر بغض النظر عن فهم المضمون فصلاتهما مقبولة، لذا قال {وأقم الصلاة لذكري} (طه 14) وعندما قال الفقهاء: إن الصلاة لا تجوز إلا باللسان العربي فهذا صحيح لأن المطلوب في الصلاة التلاوة الصوتية الكتاب لا فهم الكتاب. لذا قيل عن القرآن: إنه المتعبد بتلاوته، فالقرآن يتلى {وأن أتلوا القرآن} (النمل 92).

ومنه يظهر أن التحويل للقرآن “الجعل” إلى صيغة صوتية لغوية عربية قد أخذ الطابع التعبدي، لذا قال عنه {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} (القمر 17).

إذاً فصيغة القرآن اللغوية هي الصيغة التعبدية. وكذلك عن صيغة أم الكتاب {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة.. الآية} (فاطر 29) فيصبح الذكر بذلك هو الصيغة اللغوية الصوتية للكتاب كله وهي الصيغة التعبدية ويغدو من الصحيح أن نقول عندما تتلى آيات الكتاب “تتلى آيات الذكر الحكيم”. وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم عربي والذكر هو الصيغة اللغوية للكتاب كله فقد قال: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} (النحل 44) في هذه الآية يوجد إنزال للذكر وتنزيل له.

والإنزال هو بيان التنزيل وهذا البيان “الإنزال هو الصيغة اللغوية بلسان عربي مبين”. وعليه فإن انزال الذكر هو إنزال الكتاب كله “الحكم والقرآن” بصيغة لغوية عربية {وكذلك أنزلناه حكماً عربياً} (يوسف 2) مجتمعين من آيات تفصيل الكتاب والتي هي بالضرورة عربية لأنها تشرح مفردات الكتاب من قرآن وأم الكتاب وتشرح الإنزال والتنزيل. “انظر فصل الإنزال والتنزيل”.

وفي سورة يس الآية 69 قال: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين} هنا نلاحظ كيف عطف القرآن على لفظ “ذكر” أي ذكر = عبادة، قرآن = علم “استقراء ومقارنة”. وقد استعمل التنزيل للذكر في قوله {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر 9) وذلك لتبيان أن الذكر جاء وحياً مادياً من خارج إدراك محمد صلى الله عليه وسلم أي أنه صيغ خارج وعي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن التنزيل عملية مادية حصلت خارج إدراك محمد صلى الله عليه وسلم ودخلت إدراكه بالإنزال.

وعلينا أن ننوه أن فعل “ذكر” له معان أخرى منها التذكر ضد النسيان كقوله تعالى {وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} (الكهف 63) ومنه جاءت الذاكرة والمذاكرة.

ثالثاً: الفرقان

قال تعالى:

{وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون} (البقرة 53).

{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان.. الآية} (البقرة 185).

{وأنزل التوراة والإنجيل * من قبل هدىً للناس وأنزل الفرقان} (آل عمران 3-4).

{ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكراً للمتقين} (الأنبياء 48).

{تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً} (الفرقان 1).

{وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} (الأنفال 41).

جاء لفظ الفرقان في ستة مواضع في الكتاب، وفي هذه المواضع الستة جاء معرفاً بأل التعريف، إضافة إلى مرة وحيدة جاء فيها منوناً، وذلك في الآية 29 من سورة الأنفال، فأول ما جاء لفظ “الفرقان” لموسى عليه السلام وجاء معه الكتاب، أي أن الفرقان جاء إلى موسى على حدة وجاء الكتاب على حده، ففرقا عن بعضهما.

وهذا الفرقان قال عنه في سورة آل عمران: إن الفرقان والتوراة والإنجيل أنزلت قبل أن يأتي الكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن الفرقان الذي أنزل على موسى هو نفسه الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان} (البقرة 185) وبما أن الفرقان جاء معطوفاً على القرآن يستنتج أن الفرقان غير القرآن، وهو جزء من أم الكتاب “الرسالة” وأنزل ونزل في رمضان. وهذا الجزء أول ما أنزل إلى موسى عليه السلام. فما هو الفرقان الذي جاء إلى موسى على حدة مفروقاً عن الكتاب؟

لو تأملنا الآيات (151-152-153) من سورة الأنعام وهي:

{قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم

ألا تشركوا به شيئاً.

وبالوالدين إحساناً.

ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم.

ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون} (الأنعام 151).

{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده.

وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها.

وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى.

ويعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} (الأنعام 152).

{وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} (الأنعام 153).

أقول: لو تأملنا هذه الآيات لم يكن من الصعوبة أن نستنتج أن نستنتج أنها هي الوصايا العشر. ولنلاحظ الآية التي تلت هذه الآيات الثلاث وهي الآية 154 الأنعام:

{ثم آتينا موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن وتفصيلاً لكل شيء وهدىً ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون}. هنا نلاحظ بشكل جلي كيف أن هذه الوصايا جاءت لموسى مفصولة عن الكتاب، وأن الكتاب بالنسبة لموسى وعيسى هو التشريع فقط، وليس التوراة والإنجيل، وذلك واضح تماماً في قوله تعالى عن عيسى: {ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} (آل عمران 48).

لنقارن هذه الوصايا العشر والتي أتى بعدها {ثم آتينا موسى الكتاب} (الأنعام 154) وقوله تعالى: {وإذا آتينا موسى الكتاب والفرقان} (البقرة 53) بقوله {من قبل هدىً للناس وأنزل الفرقان} (آل عمران 4). أي أنها أنزلت قبل محمد صلى الله عليه وسلم، وبقوله: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده.. الآية} (الفرقان 1)-أي أنها أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم أيضاً.. نستنتج أن الفرقان هو الوصايا العشر التي جاءت إلى موسى وثبتت إلى عيسى عليهما السلام ثم جاءت إلى محمد صلى الله عليه وسلم. وهي رأس الأديان السماوية الثلاثة وسنامها، لأنها القاسم المشترك بين الأديان الثلاثة. وفيها التقوى الاجتماعية وهي ما يسمى بالأخلاق، وليست العبادات، وهي تحمل الطابع الإنساني العام.

ولقد أنزلت هذه الآيات على النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، وبما أنها من أم الكتاب فإنها أنزلت ونزلت معاً، ولذا قال {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} (الفرقان 1). ونحن نعلم أن معركة بدر حصلت في رمضان، وأن آيات الفرقان في سورة الأنعام ليست مكيةً، فهنا أخبرنا أن الفرقان أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في معركة بدر “في رمضان” لذا سمي بيوم الفرقان بقوله {وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} (الأنفال 41).

لقد ورد في سورة فاتحة الكتاب الآية {اهدنا الصراط المستقيم} (الفاتحة 4) وحدد هذا الصراط في قوله: {صراط الذين أنعمت عليهم} فمن هؤلاء الذين أنعم عليهم وجاءهم الصراط المستقيم لأول مرة؟

إن الناس الذين أنعم الله عليهم بالصراط المستقيم لأول مرة هم بنو إسرائيل الذين عاصروا موسى. وقد فضلهم الله على العالمين به وذلك في قوله: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين} (البقرة 47) هنا يذكر بني إسرائيل بنعمته التي أنعم عليهم بها والتي فضلهم على العالمين بها، وهذه النعمة وهذا التفضيل هما الصراط المستقيم الذي أنزل لأول مرة في تاريخ الرسالات إلى موسى عليه السلام وذلك في قوله: {ولقد مننا على موسى وهارون * ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم * ونصرناهم فكانوا هم الغالبين * وآتيناهما الكتاب المستبين * وهديناهما الصراط المستقيم *} (الصافات 114-118). وقد سميت الوصايا الصراط المستقيم لأنها لا تتغير أبداً، حيث أن الأخلاق مبادئ إنسانية عامة وهي من ثوابت الدين الإسلامي ولا تحمل طابع التغير مع الزمن والتطور والمرونة “الحنيفية” مثلها في ذلك مثل العبادات.

وفي الدين الإسلامي الوصايا والحدود والعبادات هي الصراط المستقيم أي التقوى الاجتماعية في الوصايا، والتقوى الفردية في العبادات.

لنلاحظ التسلسل التالي:

{وإذا آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون} (البقرة 53). بعد الوصايا العشر في سورة الأنعام قال: {ثم آتينا موسى الكتاب} وأن الوصية العاشرة هي اتباع الصراط المستقيم {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه … الآية} (الأنعام 152).

- صراط الذين أنعمت عليهم —> يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم

- ولقد مننا على موسى وهارون —> وآتيناهما الكتاب المستبين * وهديناهما الصراط المستقيم.

{ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} (الأنبياء 48).

وهكذا نرى أن الوصايا العشر هي الفرقان وهي الصراط المستقيم. وكل من اتبع هذا الصراط إلى يوم الدين هو من الذي أنعم الله عليهم وهو من المهتدين. وكل من تركه فقد ضل، وكل من عاداه فقد باء بغضب من الله كائناً من كان، لذا أتبعها بقوله {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}. وقد سمى الوصايا الحكمة بالنسبة لعيسى عليه السلام حيث قال {ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} (آل عمران 48). فالكتاب هو الرسالة، والحكمة هي الوصايا، والتوراة هو نبوة موسى، والإنجيل هو نبوة عيسى، ومجموعهم هو الكتاب المقدس. وللدلالة على أن الوصايا هي الحكمة ذكر تسعاً من هذه الوصايا في سورة الإسراء من الآية 23 إلى الآية 39 والتي تقول {ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة … الآية}.

فالوصايا العشر بالنسبة لعيسى وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم هي جزء من الحكمة حيث ذكر وصايا غيرها في سورة الإسراء، كقوله: {ولا تمش في الأرض مرحاً} (الإسراء 37) ودمجها تحت عنوان الحكمة وكذلك في سورة لقمان بقوله {ولقد آتينا لقمان الحكمة … الآية} (لقمان 12) وبما أن لقمان ليس نبياً ولا رسولاً فقد ذك أن الحكمة “الأخلاق” يمكن أن تأتي لأي شخص في كل زمان ومكان وذلك في قوله: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً} (البقرة 269) أما بالنسبة لموسى فقد جاءته الوصايا العشر “الفرقان” وسميت باسمها ولم يقل عن موسى إنه أوتي الحكمة التي تعتبر الوصايا العشر الجزء الأساسي منها وهي من الصراط المستقيم الذي يجب على كل إنسان ومجتمع إنساني أن يتبعها.

وبما أن الوصية الأولى في الفرقان هي التوحيد وقد بعث الله الرسل والأنبياء من أجل التوحيد فعندما ذكر الأنبياء والرسل في سورة الأنعام قال: {أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة … الآية} (الأنعام 89) قال: {أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة.. الآية} (الأنعام 89) وقوله {ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراطٍ مستقيم} (الأنعام 87) وهنا ذكر عبارة “صراط مستقيم” غير معرفةٍ لأن الصراط لم يأتي بكامله إليهم جميعاً بل أتى جزء منه إليهم كلهم وهو التوحيد على الأقل أي {ألان تشركوا به شيئاً} (الأنعام 151) وإلى شعيب جاء التوحيد “الوصية الأولى” والوفاء بالكيل والميزان “الوصية السابعة”.

وللفرقان نوعان، الأول: الفرقان العام وهو الذي جاء إلى موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم. والثاني: الفرقان الخاص الذي جاء إلى محمد صلى الله عليه وسلم وحده، وهو الذي ذكر في سورة الفرقان “انظر فصل الفرقان”.