نصف الدين..
كم عدد النساء والرجال الذين يعدّون أنفسَهم لأن يكونوا زوجين أو أسرة؟
البعض يفكّر في الزواج، والبعض الآخر قد التزم به بالفعل.
ونحن نسمع الكثير من القصص: بعضها يجعلنا نتشجّع ونتطلّع إلى الآمال
والتوقعات التي سمعناها، وبعضها يجعلنا نحزن ونأسف للآلام التي عاناها
بعضهم في خبراتهم الحياتيّة تلك. ربما تكون أنتم كذلك، إخوتي وإخواني،
تعدّون أنفسكم لخوض تجربة الزواج، أو كما يقال: لإتمام نصف الدين. أو قد
تكونوا قد بدأتم بالفعل مشاركة الحياة مع النصف الآخر. أمَا وقد تحققت بعض
أمانيكم وتوقعاتكم في الزواج، لا شك أيضا قد نشأت بعض الشكوك التي تجعلكم
تتساءلون: كيف حدث ولم يكن ذلك متوقّعا؟
إخوتي وأخواتي: الأمر ليس مثاليًّا على الإطلاق.
الزوج المثالي والزوجة المثالية لا يوجدان إلا في أحلامك.
الله سبحانه وتعالى قد أعطاك كما أعطى غيرك صفات نبيلة ومهارات حميدة.
وبالمثل، قد أعطاك وغيرك تعالى عيوبا ونقصانا. الكمال لم يُعطَ لك ولا
لأحدٍ من الخلق.
هنا، المشاركة في الإيمان، وفي نفس المبادئ، ونفس الآمال لا
تكفي لجعل الزواج زواجا مثاليًا لزوجين مثاليين. فكيف يمكن لكثير من الشباب
أن يتوّهموا أنّ الحياة الزوجيّة ستكون إنسجاميّة رائعة في المستقبل لمجرد
كون النصف الآخر مسلمًا، كما لو كان الإسلام كافيا لإنجاح الزواج، وكما لو
كان اتحادهم يعتمد على اجتماع عالمين من المبادئ المحترمة والقوانين
المتّبعة.
هذا الوهم، الذي وعد هؤلاء بالجنة الصغيرة في الأرض أمس، هو
ما سيجعلهم يعانون صراعا صعبا في الحياة اليوم. وكم عدد مَن يتحدث عن
“مبادئ الزواج في الإسلام” وهم في الواقع يعيشون حياة مرة، خربة، ومحبطة؟
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، العيش كزوجين أصبح تحديًا
حقيقيًا. العديد من الرجال والنساء من حولنا يلتقون ويتركون بعضهم البعض في
مجتمع حديث يُخلَط فيه بين الحرية وغياب المسؤولية، وبين الحب والمرونة.
العيش كأحد زوجين لا يخلو من التحديات: إعداد النفس، والتعلم
والمحاولة المستمرة للاقتراب من الآخر مع الصبر والعمق والحنان. صحيح أنّ
المبادئ الإسلاميّة من شأنّها أن تجعل كلا الزوجين يقترب من الآخر، لكن
ينبغي عليهما أن يتذكرا كل يوم أنّ النصف الثاني الذي أتى ليشاركك حياتك قد
أتى ومعه تجارب وماضي وتاريخ وحضارة وجروح وحساسيات وآمال وآلام كثيرة.
عليك تعلم الاستماع، الفهم، المراقبة، والمرافقة.
أن تكون نصفا لآخر هو أعظم الاختبارات وينطوي على: اختبار
الصبر، الانتباه، القدرة على الاستماع للكلمات غير المنطوقة، ضبط النفس،
مسامحة الأخطاء، شفاء الجروح. في كل هذه الاختبارات، هناك اثنان، أو نقول:
نصفان. الأمر إذن ليس سهلاً على الإطلاق، هو جهدٌ هادفٌ ينبع من أعماق
الشعور بالروحانية، هو “جهاد” بكل ما تحمله الكلمة من معاني. جهاد المحبة
الذي يذكّر أنّه لابد من الاعتناء بالمشاعر ومن المحافظة عليها وتعميقها من
خلال التحدّيات المشتركة والصبر
الصبر ويقظة القلب، من الزوجين، سوف يقودهم نحو النور، إن شاء
الله. تذكّروا، أيها الإخوة والأخوات، أنّ خاتم النبيين (صلى الله عليه
وسلّم)، وهو الأسوة الحسنة، كان يقظًا معطاءً وصبورًا كذلك. فلم يترك صلى
الله عليه وآله وسلّم للأمَّة مبادئ وحسب ولكنّه نوّرنا بوجوده ومثاله
واستماعه ومحبّته كذلك.
قبل أن تكون الزوجة أم أولاده، هي امرأة، هي إنسان يكتشفه كل
يوم، هي التي يرافقها وترافقه، لذا وجب أن تكون موضوع اهتمامه وشهادة على
حبه. هو يعلم معنى الصمت، وقوة اللمسة، وسحر النظرة، ومتعة الابتسامة،
ودماثة الملاطفة.
هناك أولئك الذين يفكرون في النصف الآخر بمثالية حتى أنّهم لا
يرونه في الحقيقة، أولئك الذين يغادرون دائما بسرعة كبيرة دون أخذ الوقت
الكافي ليتعرفوا على شركائهم. وهنا لا بد أن نستحضر تعاليم الإسلام وعمقه،
وروحانيته، وجوهره. العيش كزوجين، وبناء علاقة، والصبر في الشدائد، والمحبة
الدائمة، والتأسيس لطريق صلاح هو أول الطريق إلى الروحانية. أن تعرف كيف
تكون مفردا مع الحق تعالى يضمن المزيد من الراحة في أن تعيش مع النصف الآخر
كاثنين. هذا تحد واختبار بعيد عن المثالية، قريب من الواقع.
أيتها الأخوات والإخوة، يجب إعداد أنفسكم لخوض واحدة من أجمل
التجارب في الحياة. تجربة تتطلب كل شيء منك: قلبك، ضميرك، ومجهوداتك.
الطريق طويل، ويجب على المرء أن يتعلم الطلب، المشاركة، وأن يغفر … إلى حد
غير مسمى.
أباح الله تعالى الطلاق، لكن جعله أبغض الحلال عنده. العيش
كزوجين أمر صعب: تذكر أنّ زوجتك هي امرأة قبل أن تكون أم أولادك، وتذكري
أنّ زوجك هو رجل قبل أن يكونَ والد أطفالك. تعلّم كيف تكون أحد اثنين، داخل
أسرتك، أمام الله وأمام أطفالك.
هذا الاجتماع، وهذه الجهود سوف تؤدي إلى الشعور بالحماية
والطمأنينة: “هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنّ” (سورة
البقرة: ١٨٧). تعلّموا الصبر، وتعلموا كيف يكون الحنان، وتعلموا المغفرة،
وسوف تصلون إلى الروحانية الحافظة، منزلة المقرّبين. حينها، يصبح الإيمان
هو مصدر النور و”وجودها” أو “وجوده” هو مصدر الحماية، اختبار القلب، طاقة
الحب، ونصف الدين.
أدعو الله أن يكون هذا الحب هو مدرسة البذل، ونور الصبر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشرت المقالة الأصلية في ٢٢ أغسطس ٢٠٠٥ باللغة الإنجليزية (http://tariqramadan.com/english/2005/08/22/half-of-your-faith/)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire