كتاب البخاري ليس الابن الأصغر لكتاب الله
لقد استحسن بعض القدماء أن يبتدع لنا مأثورات ومقالات ومقامات كلامية،
أذكر منها ما يصفون به كتاب صحيح الجامع (البخاري)، فيقولون:- (البخاري أصح
كتاب بعد كتاب الله)، وقولهم عن الاختلاف الفقهي بين الأئمة (اختلافهم
رحمة)، ولقد توارث النَّاس هذه المقولات حتَّى إنَّهم عظَّموا الكتاب الذي
خطَّته أيدي البشر ورواته من البشر نقلاً عن كلام ينسبونه لبشر(النَّبي).
وجدير بالبيان أن الكتاب المذكور (البخاري) قد تمَّ تدوينه بعد أكثر من
مائتي سُنَّة من وفاة رسول الله r، ولقد استفحل الأمر بهم فتراهم يتيهون
خيلاء وهم يذكرون مقولة أنه أصح كتاب بعد كتاب الله، ويرددونها ويتوارثونها
دون أن يكون لهم علم بالكتاب الذي عظَّموه، ولا حتَّى كلَّفوا خاطرهم
بقراءته، وهم بذلك التَّعظيم لا يدرون أنهم يتصادمون مع كتاب الله القائل:-
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82؛
وهم لا يفتئون يُرددون باطلهم، حتَّى عبرت مقولتهم القرون، فنرى من بيننا من يُردد هذا الضَّلال بلا وعي أو دراسة عواقب.
صحيح البخاري لا يُقارن بكتاب الله:
إنَّ الله ـ عزَّ وجلَّ ـ هو الحق، وكلامه ـ سبحانه وتعالى ـ غير مخلوق،
بل هو قديم بقِدم الله ويحمل صفات الله فلا أول له ولا آخر، وكلامه هو
الحق لأنه جاءنا من الحق الخالق لكل شيء ومالك كل شيء.
***************************
لا نوافق اساتذنا احمد ماهر في قوله ان كتاب الله غير مخلوق
بل كلام الله مخلوق و محدث ..و لا قديم غير ذات الله فكلام الله هو فعله و ليس صفته
ابوسام سلاطني
**************************
أمَّا كلام
البشر أو الملائكة أو الجن فهو يهبط وينتسب إلى دنيا المخلوقين، حتَّى وإن
كانوا يقولون الحق ويذكرون الله بتسبيحات أو دراسة فقه أو غيره، فكلُّه
كلام مخلوقين، وشتَّان الفرق بين كلام الخالق وقدره وكلام المخلوقين
وقدرهم، حتَّى وإن كانوا أنبياء مرسلين.
أَوَ لا يرى معي القارئ
أن كلمة (أصح كتاب بعد كتاب الله) تحمل في أحشائها ما يُفيد أن كتاب
البخاري ليس بصحَّة كتاب الله، فكيف بكم تُقدِّسون ما يحمل الكثير من
الصِّحة والقليل من المشكوك فيه؟؟، وهل تكون هذه عقيدة؟؟، وهل هناك دين
للصِّحة فيه مراتب؟؟، أم أن الأديان يجب أن يكون اليقين في حرفيَّاتها هو
أساسها!!.
وإنَّ مقولة أصح كتاب بعد كتاب الله تعني وجود
نسبة بين الكتابين، وبين القولين، وحاشى لله أن يكون لكلامه شبيه أو تكون
هناك نسبة مقارنة.
ولقد أمر الله نبيَّه r والمسلمين أن يمايزوا بين الخالق وبين المخلوقين فقال تعالى:-
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا
إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ
فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً
}الكهف110؛
فبهذا التَّمايز الذي لا تصحُّ بعده مقارنة يكون الأدب مع الله.
ولقد تحدَّى الله البشر تحدِّيا غير مسبوق في أي مكتوب، وهو بأن يأتوا
بمثل القرءان، فقال تعالى:- {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ
عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ
وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }الإسراء88؛
يعنى ذلك
أنه لا شبيه في معنى الكلام ولا شبيه في صِّحة الكلام، فهو كلام متفرِّد،
لا يُدانيه ولا يجاريه كلام بشر، حتَّى وإن كان كلام النبي الخاتم r، لا
لشيء إلا لأنه بشر.
ومن الذين قالوا بأن رسول الله أُمِّي لا يقرأ
ولا يكتب لا لشيء إلاَّ لأنهم تصوَّروا أن لكلام الله شبيهًا أو مساويًا،
لهذا فقد ذادوا عنه بتلك المقولة متأوِّلين بالخطأ قوله تعالى:-
{قُلْ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً
......... فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي
يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
}الأعراف158؛ وهو أمر خارج عن إطار البحث الماثل.
وإن الذين
يريدون بتلك المقولة تعظيم رسول الله r وتعظيم كلامه لم يعلموا شيئاً عن
الأحديَّة، فالوحدانية أمر مختلف عن الأحديَّة، فإنَّ الوحدانية تعني أنه
لا شريك له، وهي من قوله تعالى:-
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ
}محمد19؛
أمَّا الأحديَّة فتعني أنَّه لا نظير ولا مكافئ ولا
ندَّ ولا مثيل له في الذَّات والصِّفات وهي من قوله تعالى في سورة
الإخلاص:- قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{1} اللَّهُ الصَّمَدُ{2} لَمْ يَلِدْ
وَلَمْ يُولَدْ{3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{4} >
والمؤمن يحتاج إلى الشِّطرين لتكتمل وتصح عقيدته، فلا يكفي المسلم العلم
بأنه لا إله إلا الله وحدها، ولا يكفيه العلم بأحديّته وحدها، لكن لابد أن
يجتمعا معًا في قلب العبد، وإن أقصى العلم أن تقف على حقيقتيهما، وأقصى
العمل أن تتقي الله وتعمل بالسنة الحقيقية لرسول الله.
وحيث إنَّ
كلامه منه ـ سبحانه ـ فيكون لا مثيل لكلامه، ولا شبيه ولا قريب ولا صحيح من
الكلام يشبهه، إلا أن يكون كلامه هو، وصدق الله القائل:-
{اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً
}النساء87.
وإنَّ الذين قالوا تلك المقولة اختلط عليهم تفسير قوله
تعالى:- {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى }النجم 3؛ وهو الأمر الذي تمَّ
تفنيده في كتابنا ( كيف كان خُلُقُه القرءان)، فظنُّوا أنَّ كل قول من
النبي r هو من وحي السَّماء إلى الأرض، فخلطوا ولم يمايزوا بين قيمة كلام
الله والمحفوظ بحفظه، وبين قيمة كلام النَّبي الخاتم r وغير المحفوظ من
الله،
فضلا عن أن النبي كان لا ينطق عن الهوى فيما يخُص كتاب
الله وشروح التشريع فقط، أما في باقي حياته فهو بشر، وهو الأمر الذي
يُبيِّن حقيقة الاعتداء على أسماء الله وصفاته، وينتهي إلى الإشراك الخفي
بالله مع رسول الله في أحقيَّة التشريع وفي قيمة الكلمات، وفي حقيقة صاحب
الكلام، وفي قدسية الكلمات.
وإن محاولات التَّقريب بين الكتابين
والكلامين تُعبِّر عن فقدان قلوب القائلين لحقيقة الأحَديَّة التي تُميِّز
صفات الله عن خلقه، وهي الحقيقة اللازمة لصحيح العقيدة وكامل الإيمان،
وكان عليهم أن يُراجعوا فقههم الذي أرداهم إلى درك الاعتداء على حقائق
الأسماء والصِّفات العلِيَّة لله التي لا يمكن أن يُدانيها بشر مهما كان،
خاصة وأنَّ رسول الله r قال في الحديث الذي رواه البخاري برقم [ 6113]:-
حدثني عبد الله بن منير، سمع أبا النضر، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله يعني
بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي قال:-
[إن
العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها
درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوى بها في
جهنم].
وعلى ما تقدم من بيان فإن كتاب البخاري ليس الإبن الأصغر
لكتاب الله، بل ولا يوجد نسب يبنهما، وإن كان ولابد من نسب فإن نسبته لكتاب
الله كنسبة مقالي هذا لكتاب الله، فكلاهما (كتاب البخاري ومقالي ) من عند
غير الله.
مستشار/أحمد عبده ماهر
محكم دولي وباحث إسلامي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire